التخطي إلى المحتوى
محتويات
[toc]

?

زكاة الفطر وليلة القدر وصلاة العيد , Ways how Zakat al-Fitr


زكاة الفطر وليلة القدر وصلاة العيد , Ways how Zakat al-Fitr

زكاة الفطر وليلة القدر وصلاة العيد , Ways how Zakat al-Fitr

زكاة الفطر وليلة القدر وصلاة العيد , Ways how Zakat al-Fitr
زكاة الفطر وليلة القدر وصلاة العيد , Ways how Zakat al-Fitr
زكاة الفطر وليلة القدر وصلاة العيد , Ways how Zakat al-Fitr

وليس لزكاة الفطر نصاب، فكل من ملك ما زاد على قوت نفسه ومن يعيلهم يوم العيد فقد وجبت عليه. ولذلك لو ملك الفقير ما يزيد عن حاجته أخرج منها، والحمل يستحب الإخراجُ عنه ولا يجب، يخرجها المسلم عن نفسه وعمن ينفق عليهم من الزوجات والأولاد والأقارب، فقد يكون متكفلا بأبوية، والبنت التي لم يدخل بها زكاة فطرها على أبيها ..

إن الحمد لله نحمَدُهُ ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضل له، ومَنْ يُضْلِلِ فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

عباد الله: شرع اللهُ لنا ديناً، وجعلنا على الملة الحنيفية، على السمحة البيضاء ليلها ونهارها سواء، لا يزيغ عنها إلا هالك، وتعقبنا سبحانه وتعالى بأنواع من العبادات، وإنك لتدهش -يا مسلم- وأنت تتأمل نظام العبادة في الإسلام، عبوديات للقلب، فالقلب يعبد الله بالإخلاص والرجاء والخوف والخشية والمحبة والحياء والصدق والتوكل… وهكذا.

وعبادات للسان، فهو يعبد الله بالتكبير والتحميد والتهليل والتسبيح وكنوز الجنة بأنواعها، وعبادات للأعضاء فهذه صلاة تؤدى بعمود الصلب والأيدي والأرجل، مع اشتراك القلب واللسان، وهكذا الحج وما فيه من المشي والرمي والهرولة.

وهكذا، هناك عبوديات فعل، وعبوديات ترك، فالترك كالصيام، عبوديات فرض، وأخرى نافلة، عبوديات موزعة على النهار والليل، عبوديات فيها اتصال المخلوق بالخالق، وجعل القلب حيا على الدوام، عبوديات يؤيد بعضها بعضا، ويستدرج بعضها نقص بعض.

هذه زكاة الفطر -مثلا- شرعها الله -سبحانه وتعالى- في نهاية شهرنا مرتبطة بالصوم الذي نصومه، وتسمى صدقة الفطر لارتباطها بالفطر في نهاية رمضان، وهي زكاة تطهرهم وتزكيهم.

ونلاحظ أن العبادات تشرع لأمورٍ متعددة، للعبادة الواحدة محاسن كثيرة، فزكاة الفطر مثلا تطهر الصائم من اللغو والرفَث، ومِن الذي لم ينخلق صيامه بكذبة أو كلمة غيبة أو مخاصمة ومشاتمة أو سوء ظن أو حسد وحقد، من الذي لم ينخلق صيامه بنظرة محرَّمةٍ أو شيء من الرفَث، فجاءت صدَقةُ الفطر لتكمل لك عبادتك -يا مسلم-، وتستدرك النقص الذي حصل فيها، فسبحان مَن شرع لنا هذا الدين في نظام عبادة لا يوجد لها مثيل في أي دين آخر!.

فهذا دين فيه نغَمَاتٌ في الكنيسةِ، وهذا دينٌ يهُزُّ أصحابَه هَزَّاً، وذاك دين على الصامت… ديننا أساسه التوحيد والإخلاص لله، لا شرك فيه، وأديان أهل الأرض في شرك وكفر، اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وبدعاً ورهبانية باطلة، وهكذا…

زكاة الفطر أيضا طعمة للمساكين، توسعة على الفقراء، اغناء لهم عن السؤال في يوم العيد؛ لأنه لا ينبغي أن يكون هذا اليوم يوم ذُلٍّ وهَوان لأي مسلم، بل ينبغي أن يكون يوم فرح وسرور. عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال:” فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر طُهْرَةً للصائم من اللغو والرفَث، وطُعْمَةً للمساكين” رواه أبو داوود وهو حديث صحيح.

الرفث الفحش من الكلام، وهذه الزكاة قال بعضهم إنها المقصودة بقوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) ، يعني صلاة عيد الفطر.

هذه الزكاة، زكاة الفطر، فرضٌ على كل مسلم، كما قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: فَرَضَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر صاعا، زكاة الفطر على كل حُرٍّ أو عبدٍ، ذكرٍ أو أنثي من المسلمين. رواه البخاري.

ولذلك تجب زكاة الفطر على من صام ومن لم يصم، بمعنى لو كان صغيرا غير مكلف فعليه زكاة الفطر يدفعها وليه، ولو كان كبيرا في السن طاعنا لا يستطيع الصيام لكبر سنه فعليه زكاة الفطر أيضا، وهذا من حسَنات الدين، فإن المعذور في الصيام له باب حسنات في هذه العبادة.

فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر على كل حرًّ أو عبدٍ، ذكر أو أنثى من المسلمين. وتجب بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان، معنى ذلك أن من غربت شمس أخر يوم من رمضان عليه وهو حي تجب عليه زكاة الفطر، فإذا ولد قبل الغروب وجبت زكاة فطره، وإن مات بعد الغروب وجبت زكاة فطره.

وليس لزكاة الفطر نصاب، فكل من ملك ما زاد على قوت نفسه ومن يعيلهم يوم العيد فقد وجبت عليه. ولذلك لو ملك الفقير ما يزيد عن حاجته أخرج منها، والحمل يستحب الإخراجُ عنه ولا يجب، يخرجها المسلم عن نفسه وعمن ينفق عليهم من الزوجات والأولاد والأقارب، فقد يكون متكفلا بأبوية، والبنت التي لم يدخل بها زكاة فطرها على أبيها.

والولد الغني يخرج عن نفسه، فإن أراد الأب أن يخرج عن أولاده الكبار أخبرهم ولا حرج في ذلك، يخرجها الزوج حتى عن مطلقته الرجعية، لا الناشز ولا البائن.

ومَن أخرج عن ما لا تلزمه فلابد أن يستأذنه، ولذلك بما أنه لا تجب عليك أن تخرج زكاة الفطر عن الخادمة و السائق لأنهم موظفون عندك ولهم رواتب ولا تلزمك نفقتهم شرعا، فزكاة فطرهم عليهم، لكن لو تبرعت عنهم بعد إعلامهم ورضاهم سقطت عنهم وأجزأت وأنت مأجور، مقدارها صاعٌ من طعام، لحديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: كُنَّا نعطيها في زمان النبي -صلى الله عليه وسلم- صاعاً من طعام. رواه البخاري

أربع حفنات لكفي الرجل معتدل الخلقة، وزن الصاع يختلف باختلاف ما يملؤه؛ لأن كثافة المواد تتنوع، لكن ثلاث كيلو غرامات من الرز أو من القمح أو من التمر أو من غير ذلك كافية إن شاء الله، زكاة الفطر من أي طعام يقتاته الناس، والطعام الذي يُكال ويُدَّخَرُ ويُقْتَات عليه كالقمح والذرة والأرز والعدس والحمص… وهكذا.

فرضها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صاعا من طعام، فإن أخرج أكثر من صاع تطوعا فلا مانع، كأن يجب عليه ثمانية عشر كيلو مثلا فيخرج كيسا بعشرين.

ويجب على تجار الأرز أن يتقوا الله تعالى، فإنه يكتب على الكيس 45 كيلو فإذا وزنته وجدته أحيانا 40 أو 39، فإذا سألتَ قال: وزنَّاه لما كان الرز رطبا! فهلا انتظرت حتى إذا يبس وزنتموه وكتبتم عليه، وأنتم تعلمون أنه سيؤول إلى اليبوسة؟.

وأما إخراج زكاة الفطر مالا فإنه خلاف، ونحن متعبدون بنص الشارع، فرضها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة من طعام، يعني زكاة من طعام، نحن المسلمين لا نفتات عن النص، ولا نخالف النص، وقد يكون للشرع حكم لا ندري عنه، فقد تكون زكاة الفطر في بعض البلدان والأوقات سببا في فَكِّ احتكار الحبوب، وهناك أزمات غلاء عالمية قادمة، والعلم عند الله.

عباد الله: لقد حدد الشرع جنسها وهو الطعام، فلا يجوز إخراجها من غيره، وحدد مقدارها وهو الصاع، فلا يجوز أقل منه.

وبناء على ذلك تعلم حجم المخالفة لمن يخرج زكاة الفطر نقدا، سداد دين، وأجرة عملية، وتسديد أقساط دراسة، ونحو ذلك، مع أن الشرع جعل لهذه مجالات: زكاة المال، زكاة النقود، زكاة العملات الورقية، زكاة الذهب والفضة، زكاة عروض التجارة، وهكذا من أنواع الأموال التي فيها زكاة هي نقود.
وهذه قال لك: صاعٌ من طعام، فلماذا إذاً نلبس هذا بهذا، ويدخل هذا على هذا، وقد جعل الشرع هذه الزكاة من طعام وهذه الزكاة من النقد والأموال؟.

فهناك مصادر أخري في الإسلام لسد احتياجات الفقراء، وإذا قال قائل هؤلاء عندهم طعام فمعنى ذلك أنه ربما لا يكونون فقراء أصلا، فلينظر مَن هُم الفقراء، وإذا سلمها لمن يثق به برئت ذمته، وصارت أمانة في عنق الآخر، من أفراد أو جمعيات، وعليه أن يتحرى مَن يوكِّل، وأن يتابع الوكيل؛ لئلا ينساه.

ولإخراجها وقتان يا عباد الله: وقت استحباب ووقت جواز، فالاستحباب صباح يوم العيد قبل الصلاة قبل خروج الناس إلى الصلاة، كما أمر بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، ووقت الجواز قبل العيد بيوم أو يومين، فيوم 28 أو 29 يجوز إخراج الزكاة فيهما، وإذا كان رمضان 30 صارت ثلاثة أيام، ومَن وكَّل غيره بدفع مال خلال الشهر على أن يقوم الوكيل بالشراء والإعطاء في الوقت الشرعي ففِعله صحيح.

قال نافع: إن ابن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده، أي: من بيت المال الموكل قبل الفطر بيومين أو ثلاثة، هذا على عدة رمضان 29 أو 30.

ويجوز دفع الزكاة إلى وكيل الفقير ومن ينوب عنه، وأما تأخيرها عن يوم العيد فحرام، وفي إخراجها بعد صلاة العيد خلاف، والأقرب المنع من ذلك؛ لحديث: “مَن أدَّاها قبل الصلاة -يعني صلاة العيد- فهي زكاة مقبولة، ومَن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدَقات، أي: لم تعُد زكاة فطر مقبولة” رواه أبو داوود وهو حديث صحيح. ولا تسقط بخروج وقتها، فلو نسي وجب عليه الأداء.

تصرف زكاة الفطر للفقراء والمساكين، ولا توضع في مشاريع خيرية، ويجوز إعطاء الفطرة الواحدة لجماعة، كما يجوز إعطاء فطرة الجماعة لواحد، ولا يجوز دفع زكاة الفطر إلى مَن تلزمك نفقتهم كالوالدين والأولاد، لكن تدفع إلى الأقارب والمساكين التي لا تلزمك نفقتهم.

وتعطى في بلد مُخرجها الأفضل، فإذا نقلها لأنه لا يجد فقيرا هنا لكنه يجد فقيرا في الصومال مثلا جاز ذلك.

عباد الله: يختار الأطيب الأجود من الطعام، لا المعيب، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.

أيها المسلمون: أيها الأحباب: في هذا الإسلام مناسبات فرح وصلاة العيد تميزنا، ولكل قومٍ عيد، وعيدنا أهل الإسلام عيد الفطر وعيد الأضحى فقط، لا عيد زواج ولا عيد ميلاد ولا عيد معلم ولا عيد شجرة، لا يجوز اتخاذ يوم مُعَيَّن يُحتفل به وتظهر فيه البهجة والفرح سنويا إلا هذين العيدين.

قال -عليه الصلاة والسلام-: “إن الله قد أبدلكم بهما -يعني اليومين الذين كان أهل المدينة يلعبون فيهما في الجاهلية ألغاها الشرع، شطبهما- خيرا منهما: يوم الفطر ويوم الأضحى”. وقال -عليه الصلاة والسلام-: “إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا” رواه البخاري.

وأفضل ما يقوم به المسلم في العيد صلاة العيد؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- واظب عليها؛ بل أمر النساء بإخراج النساء من البيوت لشهادتها، حتى الحائض التي لا تجب عليها الصلاة أوصى بإخراجها.

وصلاة العيد ركعتان على لسان محمد -صلى الله عليه وسلم- يكبر في الأولى الإحرام، وبعدها سبعاً، ثم يقرأ الفاتحة وسورة، والثانية يكبر للقيام، وبعدها خمساً، ويقرأ الفاتحة وسورة.

وبين التكبيرات ثناء على الله، ودعاء وصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ليس لصلاة العيد أذان ولا إقامة، يبدأ بالصلاة ثم الخطبة، والاستماع لها سُنَّة، ومَن فاتته صلاة العيد استُحِبَّ له قضاؤها، ولا نافلة قبل صلاة العيد ولا بعدها، ولكن إذا صلوها في مسجد فللمسجد تحيته.

وينبغي على أولياء النساء الاعتناء بحجابهن عند الخروج؛ قالت أم عطية -رضي الله عنها-: “أُمِرْنا أن نخرج الحيض يوم العيدين والعواتق وذوات الخدور”، العواتق جمع عاتق وهي الجارية البالغة، أي: الفتاة التي لم تتزوج، والخدور جمع خدر، وهو سِتْر يكون في ناحية البيت، قالت: فيشهَدْنَ الخير وجماعة المسلمين ودعوتهم، ويعتزل الحُيَّض عن مُصَلَّاهُنَّ.

والتكبير يبدأ من بعد غروب شمس آخِر يومٍ من رمضان ودخول ليلة العيد، لقوله -عز وجل-: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) .

فطيلة ليلة العيد تكبير، وعند الذهاب لصلاة العيد تكبير، كان المسلمون يهتمُّون جِداً بالتكبير، وفي الفطر أشد، حتى يدخل الإمام للصلاة فينقطع التكبير: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

يأكل تمرات قبل الخروج يجعلهن وترا، ويحرم صوم يومي العيد، ولا بأس في ست من شوال بعد العيد مباشرة، ويستحب الاغتسال قبل الذهاب للصلاة، فالنبي الكريم اغتسل يوم الجمعة ويوم عرفة ويوم النحر ويوم الفطر، وكذلك يُسَنُّ التجمُّل والتزين، كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- جبة يلبسها للعيدين ويوم الجمعة. صحيح ابن خزيمة.

وتهاني الناس المباحة الطيبة من الإسلام، كان أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك.

وإظهار البهجة والسرور بالعيد سُنة، وضرب النساء بالدف والغناء مباح، بالدف لا بالموسيقى، فسحة من ديننا؛ ليعلم يهود أن في ديننا فسحة، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وإنها فرصة عظيمة لصلة الأرحام، وزيارة الأقارب، وكذلك فإن المسلم يحرص أن يكون عيده طاعة لله، لا يشوبه بمعصية، فكيف يسوغ لمن كان في شهر عبادة أن يختمه بمعصية؟.

اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا هو رب الأولين والآخرين، سبحانه و تعالى مالك الملك، لا إله إلا الله يفعل ما يشاء، لا إله إلا الله الحي القيوم، وأُصَلِّي وأسلم على محمد بن عبد الله البشير والنذير، والسراج المنير، أشهد أنه رسول الله حقا، والداعي إلى سبيله صدقا، صلى الله عليه وعلى آله وعلى آل بيته الطيبين، وذريته الشرفاء، وأزواجه وخلفائه الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

عباد الله: إن الله يختار ما يشاء من الزمان ويفضله، فهو خالد الزمان، قال ربنا وربُّك: (يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) .

واختار الله تعالى من ليالي رمضان ليلة عظيمة فيها تغفر الذنوب والسيئات، وتُعْتَقُ الرقاب من النار، وتتنزل المغفرة والرحمات، عبادتها خيرا من عبادة ألف شهر، خير من قيام ثلاث وثمانين سنة، عُمر رجل معمَّر، وقيامها سبب لمغفرة المعاصي والسيئات، هي أمل العائدين التائبين، وأمنية العباد الطائعين، خصها تعالى بخصائص، منها أنه أنزل فيها القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ثم نزل مفصلا بحسب الوقائع على مدى ثلاث وعشرين سنة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) ، يعني من اللوح المحفوظ إلى بيت العز في السماء الدنيا، وقد وصفها الله تعالى بأنها خير من ألف شهر، وهذا من رحمة الله بهذه الأمة التي قصرت أعمارها عن أعمار مَن قبلها، فعوَّضهم الله عوضا عظيما، في كل سنة ليلة عبادتها عبادة رجل معمر.

يا مسلم: فقدِّرْ هذه النعمة حَقَّ قدرها، وصفها الله تعالى بالبركة، فقال (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) ، وأخبر عن نزول عدد هائل من الملائكة، وجبريل يتقدمهم إلى الأرض: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) ، ووصفها بأنها سلام، سالمة من الشر، (سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) ، سالمة من العذاب، رحمة وبركة وخير.

ووصفها سادسا بأنه (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) ، تقدر مقادير الخلائق على مدى العام في هذه الليلة، يُكتَب فيها الأحياء والأموات، وفي صحف الملائكة يُكتَب الناجون والهالكون، والسعداء والأشقياء، والأذلاء والأعِزَّاء، والجدب والقحط، والصحة والمرض، والقبض والعطاء، والغِنَى والفقر، وتغيير أحوال الناس.

ترى الملائكة رجلا يمشي على الأرض وعندها في صحفها أنه يموت هذه السنة، سبحان مَن أخبرهم وأعلمهم في تلك الليلة بما يكون في السنة! يغفر تعالى فيها لمـَن قامها إيمانا واحتسابا، كما أخبر نبيه -صلى الله عليه وسلم-، غفر له ما تقدم من ذنبه إيمانا وتصديقا بوعد الله، وطلبا للأجر احتسابا، فقيام ليلة القدر يرجى به مغفرة الذنوب.

وقد أنزل الله تعالى في شأنها سورة تتلى إلى يوم القيامة، ذكر فيها شرفها، وقال في مطلعها: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ) ، ما أدراك ما فيها من الخير والبركة والثواب؟ ليلة خير من ألف شهر، مَن حُرِمَ خيرها فقد حرم، كما قال -عليه الصلاة والسلام-.

ليلة القدر ليلة الشرف، ليلة البركة والرحمة والمغفرة، ليلة في أوتار العشر الأواخر، وهي في السبع الأواخر أقرب، لحديث: “أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمَن كان مُتَحَرِّيها‏ فَلْيَتَحَرَّهَا في السبع الأواخر”، وقال: “التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضعُف أحدكم أو عجز فلا يغلبن على السبع البواقي”.

وآثار السبع الأواخر أقربها ليلة سبع وعشرين، هذه الليلة القادمة، وما أدراك ما هذه الليلة القادمة؟! قال كعب: والله إني لأعلمها، هي الليلة التي أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقيامها، هي ليلة سبع وعشرين، تنتقل كما قال كثير من العلماء، وأكثر ما تكون في ليلة السابع والعشرين، وقد تكون في غيرها كما قال -عليه الصلاة والسلام-: “التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، في تاسعة تبقى، وفي سابعة تبقى، وفي خامسة تبقى”، وهكذا يقوم العبد هذه الليالي الشريفة.

ومن اعتكف العشر الأواخر أصاب ليلة القدر قطعا، والاعتكاف سنة عظيمة، فمن قدر على اعتكاف يوم واحد فلا يفوِّت الفرصة، فإن قال لا أستطيع إلا ليلة من المغرب إلى الفجر فقد ورد في حديث عمر، افعل يا مسلم.

تطلع الشمس صبيحتها لا شعاع لها، وليلتها ليلة لا حارة لا باردة، ليلة طلقة منيرة، لا يرمى فيها بنجم، وضيئة مضيئة، يشعر العابد فيها بالطمأنينة، وقد يراها في المنام، أو يرى أنوارها، وخصوصا لمن كانوا خارج المدن.

ورب عابد لله لم يعلم متى هي خير ممن علم، لأن المهم في النهاية -يا عباد الله- هو عبادته والقيام بها.

اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن أصاب ليلة القدر يا رب العالمين.

التعليقات

  1. طرح رائع ومفعم بالجمال والرقي..
    يعطيك العافيه على هذا الطرح..
    وسلمت اناملك المتألقه لروعة طرحها..
    تقديري لك..

Leave a Reply

Your email address will not be published.